الفصل الأول
مقدمة
*الصحافة لغة و اصطلاحاً
الصحافة لغة مشتقة من الصحف : جمع صحيفة، والصحيفة كما شرحها ابن منظور في ( لسان العرب ) هي التي يكتب فيها، وفي القرآن الكريم : ( إن هذا لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم وموسى ) والصحف هنا بمعنى الكتب المنزلة، وفي الصحاح للجوهري أن الصحيفة وجمعها صحف وصحائف هي الكتاب بمعنى الرسالة ويطلق على الصحيفة أيضاً: الجريدة وهي مأخوذة من الجرائد أي قضبان النخل المجردة من خوصها، وقد كان العرب بعد الإسلام يكتبون على جرائد النخل، ومن هنا كانت التسمية مجازية بمعنى أن الجريدة هي ما يكتب عليها، وكلمة الصحافة بمعناها المتعارف عليه اليوم لم تصل إلينا إلا على يد نجيب الحداد منشئ صحيفة ( لسان العرب ) في الإسكندرية ( عام 1867 - 1899م ) وهو أول من استعمل لفظة ( الصحافة ) بمعنى صناعة الصحف الكتابة فيها، وقد استعمل العرب كلمة الوراق للذي ينقل عن الصحف.
وقد عرف بعضهم الصحيفة الحديثة ( بأنها كل نشرة مطبوعة تشتمل على أخبار ومعارف عامة وتتضمن سير الحوادث والملاحظات والانتقادات التي تعبر عن مشاعر الرأي العام، وتعد للبيع في مواعيد دورية، وتعرض على الجمهور عن طريق الشراء والاشتراك ) .
الفصل الثاني
الخبر الصحفي
مدخل
* ماهو الخبر
يعتبر الخبر مظهراً لرغبة الإنسان في معرفة المجهول، وإشباع حاجته الفطرية إلى المعرفة التي يشعر فيها بالأمن وتساعده على التكيف السوي المتزن مع الظروف التي يعيشها، ولقد اختلف الباحثون والعلماء حول تعريف الخبر لدرجة أننا لا نجد الآن تعريفاً واحداً تم الاتفاق عليه، ذلك أن مفهوم الخبر يختلف من عصر إلى آخر ومن نظام إلى نظام، وعلى الرغم من كل هذا الاختلاف إلا أننا نستطيع أن نؤكد أن الخبر هو وصفٌ أو تقرير دقيق وغير متحيز تقدمه وسائل الإعلام على اختلافها (مطبوعة، مسموعة، مسموعة مرئية)عن حادث أو واقعة أو موقف أو فكرة أو قضية أو نشاط، يثير اهتمام جمهور وسائل الإعلام على اختلافهم (قراء، مستمعين، مشاهدين) ويساهم في توعيتهم وتثقيفهم وتسليتهم، ولهذا تتخذ الأخبار مكانها الهام و المرموق في كل وسائل الإعلام، والخبر هو الخبر لا يختلف في مضمونه من وسيلة إلى أخرى إلا طبقا للطريقة التي تقدم بها هذه الوسائل الأخبار لجماهيرها خاصة وأن لكل وسيلة سماتها التي تميزها عن غيرها .
*مصادر الأخبار
تتنوع مصادر الأخبار التي تحصل وسائل الإعلام من خلالها على الأخبار، فقد يكون المصدر شخصا مسئولا أو مشهورا، وقد يكون جهة أو هيئة أو مؤسسة إعلامية، ومنها المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء على اختلافها برقية أو مصورة ، والإذاعات الصوتية أو المسموعة والمرئية ... الخ، أو أجهزة العلاقات العامة أو مكاتب الإعلام في مختلف المصالح والهيئات العامة والخاصة، ولكل وسيلة من وسائل الإعلام مصادرة ذاتية تعتمد عليها في الحصول على الأخبار ومنها :
1- المندوبون
وهم عصب العمل في أقسام الأخبار، ومندوبو الأخبار هم المسئولون في المقام الأول عن جمع الأخبار وتغطيتها، وهو عمل مثير ولا يعرفون على وجه الدقة ما عسى أن يقع بعد لحظات سواء في السلم أو الحرب ويعملون طوال 24ساعة لاقتناص الأخبار، وهم مستعدون لمواجهة المجهول في أي لحظة، ويستخدمون كل جهودهم في جمع وتغطية وتقديم الأخبار بأسرع ما يمكن، ولكل مندوب مصادره الخاصة والتي يحصل منها على الأخبار ومنهم كبار الشخصيات سواء الرسمية أو الشعبية، ونجوم المجتمع وخبراؤه، هذا بالإضافة إلى مكاتب الإعلام والعلاقات العامة في الديوان الملكي أو الأميري أو رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو مجلس الشعب والشورى أو الوزراء، أو الهيئات العامة أو الخاصة والسفارات والقنصليات ورجال السلك السياسي، أو غيرها من مراكز النشاط الإخباري المحلي كالمطارات والأندية والمعارض والمؤتمرات والندوات والحفلات .
ويعهد إلى المندوبين أو المخبرين بالحصول على الأخبار المحلية أو الداخلية فهم يطرقون كل المصادر العديدة والسابق الإشارة إليها، ويقسم العمل بين مندوبي الأخبار على أسس منها تكليف المندوب بتغطية عدد من المصادر التي تقع في دائرة جغرافية واحدة أو قريبة من بعضها بصرف النظر عن اختلاف العمل فيما بينها أو يكلف المندوب بتغطية أخبار عدد من المصادر المتجانسة بصرف النظر عن البعد أو القرب المكاني فيما بينها، والمندوب هو الذي يغذي وسيلته (صحيفة، مجلة، وكالة، إذاعة، تليفزيون… الخ) بنسبة كبيرة من الأخبار الداخلية الهامة التي تنشرها ، وهو الذي تعتمد عليه في الانفراد بأخبار معينة أو في تحقيق سبق إخباري وبالطبع فإن المهارات المطلوبة في المندوب الصحفي تختلف عن مهارات مندوب الإذاعة أو التليفزيون أو الوكالة وعموماً يتميز المندوب بعدة صفات هامة يمكن الإشارة إليها على النحو التالي :
(1) أن يتمتع بالحس الإخباري الذي يمكنه من الحصول على الخبر .
(2) أن يكون محبا للاستطلاع راغبا في التعرف على الأخبار والأحداث ومتابعتها والكشف عن أبعادها وتفاصيلها المتعددة .
(3) أن يجيد فن التخاطب مع الآخرين وأن يكون قادراً على الوصول إلي الأخبار والأحداث ومتابعتها، والكشف عن أبعادها وتفاصيلها المتعددة .
(4) أن يكون سريع الحركة قادرا على ملاحقة الأحداث .
(5) أن يكون يقظا سريع البديهة دقيق الملاحظة ودوداً يراعى صلاته الوثيقة مع كبار الشخصيات التي تصنع الأخبار، صبورا إذا صادفته المتاعب -وكثيرا ما تصادفه- حسن التصرف إذا فوجئ بشيء
(6) أن تكون لديه موهبة وخبرة في صياغة أخباره بما يتناسب مع الوسيلة التي يعمل فيها، وأن ينقل بأمانة ما يراه في موقع الأحداث.
المندوب المتخصص : التخصص أمل كثير من المندوبين ليصبحوا متخصصين في تغطية الموضوعات أو المجالات أو الوقائع والأحداث، وهم في أغلب الأحوال يعملون بطريقة مندوب الموقع أي يتواجدون في مواقع الأحداث، بالإضافة إلى أنهم يتميزون عن غيرهم بأنهم متخصصون في المجالات التي يعملون فيها، وتشير التجارب إلى أن تخصص المندوب في مجال معين يمكنه من إتقان عمله وتأديته بكفاءة ودقة كما أن التخصص يسمح للمندوب بدراسة المجال الذي يعمل فيه دراسة مستفيضة واسعة بكل أبعاده وتفاصيله وملابساته.
المراسل الخارجي : يعتبر المراسلون مصدراً هاما من مصادر الأخبار وخاصة تلك التي تأتي من الخارج، وهم الذين توفدهم مؤسساتهم لتغطية أهم الأحداث العالمية في العواصم الكبرى ومناطق الأحداث الهامة ويشير الباحثون إلى نوعين من المراسلين :
(أ) المراسل الدائم، ويمثل وسيلته الإعلامية سواء كانت صحيفة أو مجلة أو وكالة أو إذاعة أو تليفزيون ... الخ في إحدى العواصم الهامة، ولمدة طويلة يستطيع خلالها تكوين العديد من العلاقات والصداقات التي تعاونه وتمكنه من التعرف على خلفيات الأحداث واتجاهاتها.
(ب) المراسل المؤقت، وهو الذي ترسله مؤسسته ليغطي حدثاً خاصًا يقع في أي مكان على ظهر البسيطة، وتنتهي مدة بقائه فيها بانتهاء المهمة المكلف بها، ويجب أن تتوافر له كل الشروط الواجب توافرها في مندوب الأخبار، كما يجب أن يكون ملماً بعدد من اللغات الأجنبية السائدة كاللغة الإنجليزية والفرنسية .. الخ.
وباختصار نجد أن المندوب والمراسل مصدران من أهم مصادر الأخبار التي تعتمد عليها معظم وسائل الإعلام على اختلافها، وهما عصب العمل الإخباري في كل المؤسسات التي يعملون بها وطبيعي فإنهما يتفهمان الظروف التي تعمل فيها الوسيلة الإعلامية وينتميان إلى نظام المؤسسة وسياستها الإعلامية التي تسير عليها.
و من المصادر التي تعتمد عليها الصحف في استقاء الأخبار:
2- الدوريات
ومنها الصحف والمجلات، وتتنوع طبقاً للعديد من المتغيرات ومنها السياسة التي تنتهجها في نشر أخبارها فهناك الصحف المحافظة والتي تلتزم فيما تنشره بالجدية والاتزان وعدم الإثارة وعدم التدخل في الحياة الشخصية للناس للعاديين ما لم يتطلب ذلك الصالح العام .
وهناك الصحف الشعبية وتسعى فيما تقدمه من أخبار وموضوعات إلى إثارة اهتمام جمهورها، وتستخدم مختلف الأساليب الفنية والتحريرية لجذب اهتمام أكبر عدد من القراء، وتعطى الأخبار والمعلومات لوناً خاصاً، وتهتم بالجنس والعنف والإثارة، وتـنشر الأخبار الخاصة بحياة الأشخاص، وهناك صحف أخرى مثيرة تنتمي إلي هذا النوع تمعن في الاستهتار بجميع القيم الأخلاقية وتنزلق من الإيضاح إلى التشويه، ومن التفسير إلى ارتجال مضمون مختلف، وتستخدم الأساليب اللغوية المثيرة في تقديمها للأنباء والمعلومات والمفاهيم، ومن طابعها التهويل والمبالغة في استخدام الصور المثيرة والألوان المتباينة، والإسراف في استخدام الرسوم والصور الكاريكاتورية والهزلية، كما تتعمد الإكثار من الفكاهات و الطرائف والغرائب، وتختلق الشخصيات وتخترع المواقف، وكأنها تدافع عن المبادئ والقيم والصالح العام، وعرفت بالصحف الصفراء، وأصبح التهويل والمبالغة طابعاً عاماً لصحف الإثارة رغبةًً في رفع التوزيع وزيادة الأرباح.
ومن جهة أخرى نجد بعض الصحف المعتدلة، والتي تحاول أن تقف بين الصحف الشعبية والمحافظة فتأخذ عن الصحف الشعبية بعض أساليبها المثيرة لجذب وإثارة انتباه واهتمام أكبر عدد من القراء، وتأخذ عن الصحف المحافظة بعض ما تلتزم به من جدية واتزان في نشر الأخبار، ويحاول مثل هذا النوع من الصحف الرقص على الحبلين فنجدها صاعدةً مرةً وتارةً أخرى هابطة لكن دون سقوط، حيث نجدها تقدم أحد أخبار الجرائم بالتفاصيل الكاملة ولكنها لا تسمح بنشر صورة من وقع عليها الاعتداء في هذه الجريمة الأخلاقية بوضعها المهين وإنما تصف بالكلمات هذا الوضع الذي رفضت التعبير عنه بالصورة.
ومن جهة أخرى يمكن تقسيم الصحف وفقاً لسياساتها واتجاهاتها سواءً كانت ملتزمة أو محايدة، أو وفقاً لمضمونها فهناك صحف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أدبية أو علمية أو رياضية .. الخ، كذلك يمكن تصنيف الصحف وفقاً لمصدرها أو ناشرها كالصحف التي تصدرها الأحزاب أو الهيئات العلمية أو النقابات أو الجامعات أو النوادي .. الخ، كما يمكن تصنيف الصحف طبقاً للعديد من المتغيرات ومنها حجم توزيعها وسعة انتشارها فهناك صحف واسعة الانتشار وأخرى محدودة الانتشار، كما يمكن تصنيفها وفقاً لدوريتها فهناك صحف يومية صباحية ومسائية أو أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية أو فصلية .. الخ، كما يمكن تصنيفها وفقاً للجمهور الذي تخاطبه فهناك الصحف الجماهيرية العامة والتي تتسم بتنوع موضوعاتها وهناك الصحف والمجلات التي تخاطب قطاعاً أو فئةًً أو شريحة من شرائح المجتمع كصحف ومجلات الأطفال أو العمال أو المرأة أو الشباب ... الخ.
قيمة الخبر و الاعتبارات التي تتحكم في اختيار الخبر
كيف تنتقي الصحيفة الأخبار التي تنشرها ؟ وما هي الاعتبارات أو الأسس والمعايير التي تحكم عملية الانتقاء هذه وتأخذ بها الصحيفة فتجعلها قاعدة لاختيار الأخبار، لا سيما وأنه يصعب على أي صحيفة أن تستوعب وتنشر كل ما يصلها يوميا من أخبار على مدى الساعات الأربع والعشرين ؟
إن اختلاف المدارس المتعددة حول مفهوم الخبر ومعناه ينتج عنه بالضرورة اختلاف مماثل في تقييمها للأخبار التي تصلها ومن ثم في انتقاء ما تراه صالحا للنشر من بين هذه الأخبار، وعلى هذا فإن خبرا من الأخبار قد يحتل صدر الصفحة الأولي في صحيفة معينة بينما ترفض صحيفة أخرى أن تشير إليه من قريب أو بعيد، وقد ترى صحيفة ثالثة أن تنشره في سطور قليلة في مكان غير ملحوظ في صفحاتها الداخلية .
فما هي مقاييس الأولوية والمفاضلة هنا ؟
إن غالبية البحوث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع جاءت بعدد من الأسس و الاعتبارات أو المقاييس والمعايير التي استخلصتها من طبيعة الخبر نفسه، أي أن هناك في كل خبر من الأخبار عناصر معينة أو خصائص تميزه عن سواه وتلك هي الأسس أو المعايير التي تتحكم في عملية الانتقاء والمفاضلة وفقا لسياسة كل صحيفة ووفقا لاتجاهاتها والهداف التي تخدمها .
ونحن وإن كنا نوافق على أن الخصائص أو العناصر التي تتوفر لخبر معين تعد من الاعتبارات التي تتحكم في اختيار هذا الخبر أو عدم اختياره للنشر، إلا أن هذه العناصر ليست وحدها هي التي تحكم عملية الانتقاء، إذ أن هناك عوامل أخرى خارجة عن طبيعة الخبر نفسه-ومهما توفرت فيه العناصر أو الخصائص التي تجعل الصحيفة راغبة في نشره-تجعله لا ينشر .
وعلى هذا الأساس فانه يمكن تقسيم العوامل و الاعتبارات التي تتحكم في انتقاء الأخبار إلى نوعين :
الأول : العوامل والاعتبارات المتعلقة بطبيعة الأخبار، والمقصود بها العناصر التي يحتوي عليها الخبر أو الخصائص التي تميزه .
الثاني : اعتبارات أخرى لا علاقة لها بطبيعة الخبر نفسه، بل تتعلق بالظروف والأوضاع السياسية أو المهنية التي تعمل الصحيفة في ظلها .
*أولا عناصر الخبر
إن أهم العناصر التي أجمعت عليها مختلف المدارس الصحفية، وجعلتها بمثابة أسس عامة أو قواعد لانتقاء الأخبار هي :
1- الجده أو (الحالية) أو عنصر الزمان
إذا كان الخبر هو معلومات عن حادث وقع، فإن الجده أو الحالية تعني أن تقدم هذه المعلومات عن الحادث فور وقوعه وفي أسرع وقت ممكن،وذلك ما تحرص عليه وسائل الإعلام الحديثة بالفعل، وهي التي جعلت من الخبر(فاكهة سريعة العطب) وذلك لأن قدرة الوسائل الحديثة من راديو وتليفزيون ووكالات للأنباء على نقل الخبر ونشره على أوسع نطاق ممكن وفور وقوعه أيضا أدى بالضرورة إلى المنافسة بينها في سرعة الحصول على الخبر وسرعة تقديمه إلى الجمهور، وأدى ذلك إلى ما عرف باسم (التفرد) أو (السبق الصحفي) والذي يعني أن تنفرد صحيفة أو محطة للراديو أو وكالة للأنباء بالحصول على خبر هام وتنفرد وحدها بنشره أو تقديمه قبل بقية الوسائل المنافسة .
وعلى هذا الأساس فقد أصبحت (الجده) أو (الحالية) كعنصر من عناصر الخبر الصحفي ليست مجرد انتظار وقوع الحدث وتقديم المعلومات عنه- أي إذاعته كخبر- بل تجاوزت حدود الانتظار إلى حد المبادرة وتوقع ما سوف يحدث غدا أو بعد غد، ولا يعني ذلك التخمين أو الاستنتاج أو استقراء الأحداث الجارية، بل الأهم هو أن تكون الوسيلة الإعلامية قادرة بمندوبيها ومصادرها على الحصول على الأخبار قبل وقوعها، كأن تنفرد صحيفة أو محطة إذاعية أو وكالة أنباء بخبر عن ارتفاع مرتقب في الأسعار أو زيارة رسمية لمسئول أو اجتماع رسمي هام سيجري انعقاده خلال أيام... الخ .
وإذا كنا قد ذكرنا أن وسائل الإعلام الحديثة وقدرتها على سرعة نشر الأخبار، كانت أحد أهم الأسباب في سرعة (ذبول) و موت الأخبار الصحفية، فذلك لأن الخبر يظل خبرا طالما ظل غير معروف لم يسبق نشره وهذا يفرق بين التاريخ كأخبار أصبحت معلومات محفوظة، وبين الخبر الصحفي كحدث لم يسبق نشره بأية وسيلة من الوسائل المعروفة .
ولكن ذلك لا يعني أن الأحداث السابقة أو القديمة قد أصبحت بمنأى عن الدخول في دائرة الضوء من جديد وعن أن تصبح أخبارا، فطالما أن هذه الأحداث - ومهما كان تاريخ وقوعها - لم يسبق نشرها فإنها تصبح أخبارا صحفية، وفي كثير من الأحيان تصبح أخبارا صحفية هامة، أو ما يصدر من مذكرات أو اعترافات سياسية لشخصيات هامة أو مؤثرة في صنع القرار السياسي .
وثمة نقطة أخيرة تبقى في موضوع الجده والحالية هذا ألا وهي ما يتعلق بموقف الوسيلة الإعلامية من خبر هام لم يتأكد لها تأكيدا كافيا، وهذه المسألة كثيرا ما تواجه العاملين في أقسام الأخبار في وسائل الإعلام، حيث يجدون أنفسهم أحيانا أمام خبر هام يصعب مقاومة نشره تحت إغراء الانفراد والسبق الصحفي، وفي نفس الوقت لا تكون المصادر الخاصة بالجريدة أو الوسيلة الإعلامية قد أكدت صحة الخبر تماما فما هو الأسلوب المثل الذي ينبغي اتخاذه في مثل هذه الحالة، مع الأخذ في الاعتبار أن نشر الخبر هام يثبت عدم صحته أو يجري تكذيبه بعد نشره يسبب حرجاً بالغاً للوسيلة التي نشرته بل ربما يكون سبباً في فقدان الثقة بها نهائياً والقضاء عليها.
هناك رأيان في بالنسبة لمثل هذه الأخبار:
رأيٌ يقول بأن الوسيلة الإعلامية يمكنها نشر الخبر مع إبراز تحفظ الصحيفة عليه، كأن تنسبه إلى شخص معين وجهة رسمية معروفة، أو تشير إلى الخبر بعبارة(أخبار لم تؤكد بعد)أو ما إلى ذلك، المهم ألا تتحمل مسئولية الحصول عليه أو تنسبه إليها.
ومع أن هذا الرأي يأخذ بالأحوط ويجمع بين عدم تفويت فرصة السبق وعدم فقدان ثقة الجمهور، إلا أن الجمهور في نهاية الأمر يهمه أن تصله الأخبار مؤكدة وإلا فقدت أهميتها بالنسبة له.
أما الرأي الآخر فيرى أصحابه ضرورة التريث إلى أن تتأكد الصحيفة من صدق الخبر، مهما أدى ذلك إلى التأخر في النشر بدلا من أن تفقد الجريدة ثقة القراء بها.
2-التواصل الزمني للخبر
والمقصود به استمرارية الخبر أو(الخبر المفتوح) وهو الخبر الذي لم ينته ولم يصل إلى خاتمته، وبالتالي فإن الصحيفة تظل في حالة متابعة لكل الإضافات والتفاصيل التي لم ترد بوقائع جديده حوله، لكي تنشرها في نفس اليوم أو في الأيام التالية تباعا إذا كان الخبر لازال مستمرا ولا زالت ترد عليه إضافات جديدة، مثل أحداث الانقلابات والحروب والأحداث السياسية والعسكرية الهامة.
ولا شك أن مثل هذا العنصر يفرض أولوية خاصة على الصحيفة ويمثل أهمية خاصة بالنسبة للخبر.
3- الأهمية
والمقصود بالأهمية هنا هو أن يحوي الخبر على ما يمثل أهمية بالنسبة للمتلقي، وهذه الأهمية لا تقتصر على الفائدة الذاتية أو المصلحة العامة فقط، و إنما تشتمل الجوانب السلبية أيضا، فعندما ينشر خبر عن فرض ضرائب جديدة أو عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية في مجتمع ما فان مثل هذه الأخبار تمثل أهمية خاصة بالنسبة للمستهلك في هذا المجتمع، وبالطبع فان نسبة الأهمية تتفاوت بمقدار التأثير الذي تحدثه مثل هذه القرارات على الناس، وعلى ذلك فان أهمية الخبر تقاس بمدى ما يمثله للمتلقي ومدى ما يترتب عليه من نتائج تؤثر فيه نفسيا واقتصاديا أو اجتماعيا .
والأهمية هنا لا تقتصر على المصالح الفردية أو الذاتية للشخص، و أيا كان أثرها سلبيا مثل فرض ضرائب جديدة أو إيجابيا مثل تقرير علاوات جديدة، بل تتجاوز ذلك إلى حدود المصلحة القومية أيضا، كما هو الحال في حالة وقوع كوارث طبيعية محلية أو انتشار أوبئة أو ظهور ما يمكن أن يمثل تهديدا لأمن وسلامة الوطن .
4- المحلية أو المكان
ويطلق بعض الباحثين على هذا العنصر من عناصر الخبر تعريف (القرب) والمقصود به القرب المكاني، ويرتبط هذا العنصر ارتباطا كبيرا بعنصر الأهمية بمعنى أن مكان وقوع الحدث قد يضاعف من أهميته بالنسبة للمتلقي في بعض الحالات، فلا شك أننا إذا قرأنا خبرا عن أن هناك عددا من الأفراد يموتون جوعا في الهند، أو أن الثعابين هناك تلتهم الأطفال فان حجم ما يثيره مثل هذا الخبر من خوف أو فزع أو قلق في نفوس سكان نيجيريا أو فرنسا مثلا اقل بكثير مما لو كان موقع هذا الخبر دخل نيجريا أو داخل فرنسا .
وليس معنى ذلك أن الأخبار الهامة هي الأخبار المحلية أو الداخلية فقط، و إنما المقصود أنه إذا تساوت قيمة الأخبار وحجمها ومضمونها فان عنصر المحلية أو المكان هو الذي يحدد أهمية الخبر ويفرضها، ولنا أن نتصور مثلا ان ثلاثة رؤساء من رؤساء الدول تعرضوا لعملية اغتيال في يوم واحد أو أن ثلاث دول تعرضت لكوارث طبيعية في يوم واحد، إن الذي سيحدث في مثل هذه الحالة أن الخبر المحلي لكل دولة يمثل الأهمية الرئيسية بالنسبة للمتلقي اكبر من الحدث الذي جرى في بلد غير بلده.
وعلى هذا النحو فان عنصر القرب أو البعد يرتبط ارتباطا مباشرا كما سبق القول بعنصر الأهمية أو الأثر الناتج من الحدث بالنسبة للمتلقي، وهذا ما يدفع بعض الصحف إلى إصدار طبعات خاصة بالأقاليم تعني بأخبارها وأنشطتها غير تلك الطبعة التي تصدر للعاصمة أو المدينة الرئيسية والتي تركز تركيزا رئيسيا على أخبار العاصمة وما يجري فيها .
5-التوقع أو الاحتمالات المنتظر
المقصود بالتوقع أو الاحتمالات المنتظرة، هو ما يحتمل وقوعه ترتيبا على وقوع حادث بعينه، وهذه العملية بالذات- أي عملية التوقع أو انتظار نتائج بعينها- هي عملية ذهنية بحتة تختلف من شخص إلى آخر وفقا لقدرة الشخص على تحليل الخبر أو الربط بين الأخبار واستنتاج دلالات يوحي بها الخبر .
وهنا يكون الخبر قد حفز المستمع أو القارئ إلى طرح تساؤلات احتمالية مترتبة على الإيحاءات التي تمخضت عن الخبر، إن خبرا عن استقالة زعيم أو رئيس دولة أو موته مثلا، لخليق بان يثير العديد من التساؤلات، ويوحي بعشرات الاحتمالات والتوقعات التي يمكن أن تنتج عن مثل هذا الخبر وترتب عليه على غرار من الذي سيتولى الحكم في الفترة القادمة؟ أي نظام و أية سياسة سينتهجها الرئيس الجديد؟ من هم الأشخاص وما هي الأسماء الجديدة التي سيقدر لها أن تلعب دورا في العمل السياسي .. الخ .
6- التوقيت
ليس المقصود بالتوقيت هنا معيار الحالية أو الجدة بالنسبة للخبر، بل المقصود الظرف الزمني الذي يقع فيه الحدث نفسه، فقد يقع الحدث في توقيت زمني يضاعف من أهمية الخبر ويرقى به إلى مصاف (المانشتات) في الصحيفة أو الخبر الأول في نشرات الأخبار الإذاعية، والعكس صحيح أيضا، فلو أننا طالعنا خبرا عن أن الرئيس الكويتي في طريقه إلى بغداد أو أن صدام وصل الكويت فجأة، فان مثل هذا الحدث في مثل هذا التوقيت حيث العداء لا يزال مشتعلاً بين الدولتين يدفع الخبر لأن يكون من أهم الأخبار ربما في كل الإذاعات والصحف على امتداد العالم كله، بينما لو جرى مثل هذا الحادث في ظروف أخرى أوفي توقيت آخر غير الظروف الراهنة بين كل من البلدين الكويت والعراق لأصبح الحدث عاديا جدا ومجرد زيارة رسمية.
7- الضخامة
الأحداث الضخمة هي الأحداث الكبيرة التي يتأثر بها اكبر عدد ممكن من الناس، أي أن ضخامة الحدث تستمد هذه الصفة من اهتمام الناس بها وبصرف النظر عن موقع حدوثها سواء كان داخليا أم خارجيا، والأحداث الضخمة لا ترتبط بأسماء الشخصيات الكبيرة لمجرد أنها أسماء كبيرة، و إنما بالحدث الذي يرتبط بهذه الأسماء، فالذي لا شك فيه أن خبرا عن حضور الرئيس الأمريكي لحفل عشاء رسمي غير خبر إطلاق الرصاص على الرئيس الأمريكي في محاولة لاغتياله، وكذلك فان ضخامة الخبر لا تقتصر على الأسماء الكبيرة والأحداث المرتبطة بها فقط بل ترتبط كذلك بالأماكن والقضايا العامة، فكلما كان المكان أو الرمز يتمتع بأهمية خاصة فان ضخامة الحدث تستمد حجمها من هذا الاعتبار، ومثال ذلك خبر (حريق المسجد الأقصى ) مثلا أو حادث الحرم المكي الشريف وما إلى ذلك، ومثل هذه الأخبار (الضخمة) هي التي تتصدر صفحات الصحف عادة وتعامل باهتمام بالغ من الصحافة يصل أحيانا إلى حد إذاعته فور وروده مباشرة ودون الانتظار لموعد نشرة إخبارية قريبة، وهو ما يطلق عليه ( قطع الإرسال ) في العمل الإخباري، ويضيف البعض إلى هذا العنصر حجم أو عدد الناس الذين يتأثرون بالخبر ويهتمون به.
8- الشهرة
يشترك هذا العنصر مع عنصر الضخامة في أن كل منهما يرتبط بأسماء شهيرة أو أماكن لها قيمتها التاريخية أو قيمتها الخاصة، أما الفارق بين هذين العنصرين فينصب على قيمة وطبيعة وحجم الحادث المرتبط بالشخص أو المكان.
إن سلوك ونشاط الشخصيات الهامة والبارزة والشهيرة في المجتمع يمكن أن يكون خبرا بالفعل، نظرا لان هذه الشخصيات تثير فضول القارئ لمعرفة أخبارها الشخصية ومتابعة نشاطها، أما الذي يجعل الخبر ضخما أو مجرد خبر فهو طبيعة الحادث المرتبط بهذه الشخصيات كما سبق القول، وكذلك الحال بالنسبة للمواقع أو الأماكن فإذا نشرنا خبرا عن بداية افتتاح موسم الأوبرا في القاهرة فهو مجرد خبر يرتبط بنشاط ثقافي فني لمكان أو مرفق فني شهير أو هام، أما خبر عن حرق دار الأوبرا في مصر فهذا خبر ضخم بالفعل وكذلك خبر عن إذاعة شعائر صلاة العيد من المسجد الأقصى يختلف عن خبر عن حريق المسجد الأقصى وهكذا.
والمعروف أن الأسماء الشهيرة تصنع الأخبار المجردة، لكن الأحداث وحدها هي التي تصنع الأخبار الضخمة، أو أن طبيعة الحدث نفسه هي التي تجعل من الخبر ضخما أو مجرد خبر عادي، وهذا هو الفرق بين خبر عن أن الرئيس كيندي شهد مباراة لكرة القدم أو أن الرئيس كيندي قرر إعلان الحرب ضد كوبا.
9- الغرابة
الغرابة هي مخالفة المألوف والاعتيادي، وهي ترتبط بالأشياء والوقائع النادرة أو التي تحدث بالمصادفة، ومن هذه الغرائب ما يكون خارجا عن إرادة الإنسان، ومنها ما هو نتاج نشاطه أو سلوكه، فالخبر عن سيده وضعت خمسة توائم هو نوع من الغرابة الخارجة عن الإرادة ولكن سيدة تزوجت من رجلين في وقت واحد، فهذه غرابة من نتاج وسلوك الإنسان ذاته، وليست كل الغرائب طريفة أو يتوفر لها عنصر الطرافة بل كثيرا ما تكون بعض الغرائب مكدرة أو محزنة تدعو للرثاء أو الشفقة مثل ذلك الخبر عن خمسة أطفال اخوة مصابون بالعمى.
10 - التشويق
التشويق يعني أن يحمل الخبر تفاصيل تدعو إلى متابعته للإحاطة به كاملا حتى ولو استمر عدة أيام، والذي يقدم للقارئ دائما مفاجآت غير متوقعة، مثال ذلك خبر عن شاب مثقف يتذكر كل شئ إلا اسمه وعنوانه ومن هو.
11- الطرافة
عنصر الطرافة في الخبر هو ما ينطوي على نوع من التناقض الممكن أو المحتمل، وهذا النوع من الأخبار كثيرا ما يحمل في طياته طابع الفكاهة أو السخرية أو الدهشة، ومن ذلك خبر إلقاء القبض على متسول يملك ثلاث عمارات، أو من ينصح الناس بالإقلاع عن التدخين ويدخن ستين سيجارة يوميا.
12- الإثارة
الإثارة هي مزيج من الغرابة والتشويق وجذب الانتباه، ولكن الذي يميز الأخبار المثيرة عن الأخبار الغريبة أو الشيقة هو أن الإثارة تنصب عادة على مخاطبة الغرائز البشرية، وكذلك فإنها تنطوي على قدر غير قليل من تجسيد الحدث وتضخيمه والاهتمام بإبراز كل عناصره مع التركيز على الجوانب الدرامية فيه، ولذلك فان عنصر الإثارة يتلازم عادة مع أخبار الجنس والعنف والجريمة والفضائح السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ويسعى لكشف الأسرار الشخصية والخاصة على وجه التحديد .
13 - العنصر الإنساني
ويعني تحريك أو مخاطبة عواطف القارئ وتوجيه العاطفة لتتخذ موقفا منحازا إلى شئ بعينه، أو الوقوف ضد شئ بعينه، وهذا النوع من الأخبار يستهدف تحقيق الاستجابات العاطفية للقراء ومن ثم فان مثل هذه الاستجابة لا تستقر على نوع معين من الأخبار بل تنسحب إلى كل الأنواع، والمهم هو القدرة على إضفاء عنصر(الإنسانية) على طريقة وأسلوب عرض المعلومات عن الحدث، فلا شك أن الأخبار التي نشرت عن الجرائم والفظائع التي ارتكبها قوات الغزو الصهيوني في لبيروت ضد الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين العزل في معسكر صيدا ببيروت كان لها ابلغ الأثر في ترك مشاعر الرفض والكراهية و الاستنكار والإدانة للقوات الصهيونية من قبل القطاعات العظمى للرأي العام في كثير من بلاد العالم، وعلى نفس الوتيرة كانت أخبار الحرب الظالمة وغير المتكافئة التي شنتها قوات الغزو السوفيتي لأفغانستان ضد المسلمين الفقراء الذين يواجهون ترسانة السلاح السوفيتي المتطورة ويتصدون لها بأسلحة بدائية في ظروف بالغة الصعوبة، ومن قبل كان لأخبار الفظائع التي ارتكبتها القوات الأمريكية في فيتنام أيضا بالغ الأثر في إحداث استجابات عاطفية مؤثرة وقوية ضد القوات الأمريكية وفظائعها ووجودها في فيتنام ولم تقتصر هذه الاستجابات على قطاعات الرأي العالمي فقط، بل والرأي العام داخل الولايات المتحدة نفســـها، حيث ارتفعت أصوات عديدة تدين هذا الغزو وتتساءل لماذا يموت أبناؤنا في فيتنام.
وكما سبق القول فان تحريك العاطفة أو السعي للحصول على استجابات عاطفية معينة لا يقتصر على كوارث الحروب وويلاتها فقط، لأن الحياة اليومية تحفل بمثل هذه الأحداث التي تمس العواطف الإنسانية مسا مباشرا، وهناك العديد من النماذج لمثل هذه الأحداث التي تمس العواطف الإنسانية مسا مباشرا مثل الطفل الذي سقط في بالوعة المجاري في الطريق العام واختفت جثته، والعروس التي ماتت ليلة زفافها، و الأسرة التي لقيت بكاملها مصرعها وبقيت طفلة في الرابعة من عمرها لم تستطع التعرف على أقربائها... الخ .
14- الصراع
يرى بعض الباحثين أن هذا العنصر يمثل نزعة أو غريزة بشرية لا يمكن إنكارها، وهذه النزعة هي التي تترجم لنا السر في أخبار الجرائم الفردية اليومية كحوادث القتل والسطو المسلح وما إلى ذلك، وكذلك أخبار الصراعات والانقلابات والحروب بين الدول .
15- المنافسة
وهي السعي إلى البروز والتفوق، وتأكيد رغبة الإنسان في تحقيق النجاح والانتصار في حياته العادية، وهذا العنصر من عناصر الخبر، يتوفر عادة في أخبار المضاربات المالية والمزادات والمسابقات والمباريات وما إلى ذلك .
16 - الإقناع
والإقناع هنا يعني (الخبر الكامل)، وليس المقصود بالخبر الكامل انه الخبر الذي انتهى ولا يحمل تفصيلات جديدة قادمة، و إنما المقصود بكمال الخبر أن يقدم المعلومة المتكاملة أو الجملة المفيدة إلى القارئ، وهي التي تتم عادة بالإجابة على سؤال(لماذا) فلا يكفي أن يكون الحدث هو أن الرئيس المصري يسافر إلى الصين في الأسبوع القادم، بل ينبغي لهذا الخبر حتى يكون مقنعا أو مكتملا أن يأتي بالأسباب أو الدوافع أو الأهداف المعلنة، وهل هي زيارة رسمية لإجراء مباحثات حول قضايا محددة، أو لتوقيع اتفاقية أو للعلاج مثلا.
17 - الدقة
والمقصود بها (التحديد) حتى لا يكون الخبر مثارا للتأويل أو التفسيرات الخاطئة أو اللبس أو الشك، ولذلك فان كلمات مثل (قد) أو (ربما) أو (من المتوقع) أو (أفادت الأوساط العلمية) أو (المصادر المطلعة) من الكلمات التي تفقد الخبر أهميته بالنسبة للمتلقي .
*أنواع الأخبار
أولاً أنواع الأخبار لاعتبارات جغرافية
محلية أو عالمية.
ثانياً أنواع الأخبار لاعتبارات موضوعية
سياسية، اقتصادية، ثقافية…الخ.
ثالثاً أنواع الأخبار لاعتبارات زمنية
متوقعة، أو مفاجئة.
رابعاً أنواع الأخبار باعتبار صياغتها
1- الأخبار الصماء (المجردة)
وهي الأخبار التي تقتصر على تسجيل الأحداث وذكر ما يجري دون إيراد تفاصيل كاملة تتضمن الإجابة على الأسئلة الستة المعروفة( من - ماذا - متى - أين - لماذا - كيف )
2- الأخبار المفسرة
وهي عكس سابقتها، أي أنها الأخبار التي تقدم للقارئ تفاصيل الأحداث وخلفية كاملة لظروفها وملابساتها، وترتبط بينها وبين ما سبق وقوعه من أحداث ووقائع متعلقة بها.
3- الأخبار الموضوعية
وهو الخبر الذي تنشره الصحيفة دون تدخل من جانبها بالحذف أو الإضافة أو إعادة صياغته على نحو يحدث تحويرا أو تغييرا في معناه أو مغزاه.
4- الأخبار الملونة أو الموظفة
وهي الأخبار التي تخضع لتدخل من قبل المندوب أو من قبل الصحيفة، فتنقل للقارئ بشكل يختلف عن ما جرى في الواقع.
وتتدخل الصحف في بعض الأحيان لتحور في الأخبار لتطوعها بما يتفق مع سياستها والأغراض الدعائية التي تستهدف تحقيقها، ومن هنا تلجأ إلى تعمد تعتيم و إخفاء بعض جوانب أو أجزاء الخبر أو إدخال بعض الإضافات عليه أو تضمينه رأيا أو وجهة نظر بهدف التأثير على القارئ، ولهذا يطلق على مثل هذه الأخبار تعبير الملونة أو الموظفة أي التي جرى توظيفها و إعدادها على نحو معين لخدمة أهداف معينة.
خامسا أنواع الأخبار وفقا لاعتبارات مهنية:ويقوم هذا التقسيم على أسس حرفية أو مهنية يختص بهذا العمل داخل الصحيفة أولا وأخيرا، ويعد جزءا من تقييم الصحيفة لمجهود مندوبيها و مراسليها وعلى هذا الأساس نجد أنواعا أخرى من الأخبار هي:
1- الأخبار الجاهزة
وهي الأخبار التي تسعى إلى الصحيفة أو إلى المندوب دون أن يبذل هو جهدا للحصول عليها أو معرفتها أو اكتشافها، وهذه الأخبار هي التي يبعث بها أشخاص أو تنبعث بها إدارات العلاقات العامة في المؤسسات والهيئات كما تبعث بها مؤسسات النشر والسفارات وما إلى ذلك، إلى رئيس تحرير الصحيفة أو رئيس قسم الأخبار، علها تجد مكانا للنشر، ويندرج تحت هذا النوع كل ما يصل إلى الصحيفة أو إلى المندوب من دعوات تحمل أخبارا أو تحديدا لمواعيد جلسات أو مؤتمرات أو ندوات .
2- الأخبار المكتشفة أو المبدعة
وهي الأخبار التي يحصل عليها الصحفي نتيجة مجهود خاص بذله فيكون قد انتقل إلى موقع العمل الإخباري والتقى بمصادره وحصل منهم على الأخبار أو اكتشف هناك الأخبار وعثر عليها وعاد بها إلى صحيفته.
سادسا أنواع الأخبار باعتبار ما يحمله الخبر من وقائع:
وهو تقسيم يقوم على أساس الوقائع أو الأحداث التي يتضمنها الخبر الواحد وعلى هذا الأساس نجد نوعين من الأخبار هما:
1- الأخبار البسيطة
وهي التي تتضمن واقعة واحدة بصرف النظر عن التفاصيل التي تتضمنها، فقد يكون هناك خبر من نوع وقوع معارك بين الفصائل الأفغانية المتحاربة ويتضمن الخبر كثيرا من التفاصيل عن طبيعة المعارك ومكان وقوعها وأنواع الأسلحة المستخدمة فيها و أعداد القتلى والأسرى ونصوص البلاغات العسكرية التي صدرت عن الجانبين وما نقلته مختلف وكالات الأنباء وما ذكره المراسلون وشهود العيان ... الخ، مثل هذا الخبر لم يتجاوز حدود الواقعة الواحدة وهي المعارك التي دارت لأن تفاصيله وبالرغم من أنها تناولت الكثير من البيانات والمعلومات إلا أن هذه البيانات وهذه المعلومات ظلت في إطار واقعة واحدة وحادث واحد وهذا ما يعرف بالخبر البسيط.
2- الأخبار المركبة
وهي تختلف عن سابقتها في أن الخبر الواحد يتضمن أكثر من واقعة واحدة بحيث يشتمل على عدد من الأخبار التي يضمها إطار واحد قد يكون المكان وقد يكون الحدث نفسه، ولا تجد الصحيفة مبررا للفصل بين هذه الأخبار، لكي تضع أمام القارئ تصورا كاملا لما جري، ومثل هذه الأخبار هي التي تسود في فترات الحروب والانقلابات حيث تتلاحق الأحداث وتتوالى في إطار الواقعة الواحدة وهي الانقلاب أو المعركة، فنقرأ خبرا عن أحداث لبنان أيام الحرب الأهلية مثلا فنجد انه يشتمل على مجموعة من الأخبار في آن واحد عن نسف مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في مدينة صور وقيام الطائرات الإسرائيلية بغارات عنيفة على مواقع السوريين ووقوع اشتباكات عنيفة بين أنصار ياسر عرفات وقوات سورية وليبية وتأجيل موعد انعقاد مؤتمر المصالحة في جنيف إلى أسبوع آخر، كل هذه الوقائع جاءت في إطار حدث واحد يضمه مكان واحد وظرف واحد هو لبنان وأحداث لبنان، ومن ثم يطلق على هذا النوع من الأخبار اسم الأخبار المركبة .
سابعا : بالونات الاختبار
وهي نوع من الأخبار يأخذ شكل تصريحات تأتي على لسان أحد المسئولين أو تأتي مجهولة المصدر ويكون الهدف منها الوقوف على ردود الأفعال الناجمة عنها سواء في الجبهة الداخلية أو الخارجية .
ومثال ذلك ما يحدث في بعض البلدان عندما تسعى الحكومة إلى معرفة موقف الرأي العام من قرار معين قبل أن تعلنه الحكومة بالفعل كي يتسنى لها الرجوع عنه أو عدم إعلانه، وفي هذه الحالة توعز المصادر الحكومية بنشر خبر أو تصريح حول القرار المزمع اتخاذه أو الموضوع المراد معرفة موقف الرأي العم منه، فإذا كانت النتيجة بالإيجاب كان من الممكن الإعلان عن القرار، وإذا كانت النتيجة ضد القرار فسرعان ما سيصدر تكذيب للخبر أو أن مصدره غير مسئول، أي انه يبدأ شائعة يمكن أن تتحول إلى خبر حقيقي أو يكذب باعتبار انه شائعة وليس خبرا .
وقد اشتهر وزير الخارجية الأمريكية السابق هنري كسنجر بإتباع أسلوب مشابه أطلقت عليه الصحافة الأمريكية فيما بعد أسلوب الخلفية العميقة.
u]الصدق الصحفي في تحرير الخبر وصياغته[/u]
الصدق في العمل الصحفي بصفة عامة، وبالنسبة للخبر الصحفي بصفة خاصة لا يعني مجرد أن تكون الوقائع المنشورة في الجريدة حقيقية أو كاذبة، إن الأمر لم يعد بهذا القدر من البساطة لأن الصدق الصحفي اصبح يتكون من عناصر كثيرة ومعقدة فعندما يمسك القارئ بجريدته فانه يتوقع أن يجد فيها كل ما يريد أن يعرف من الحقائق وكل التفاصيل التي تهمه بشأن خبر من الأخبار وبالقدر الذي يتوقعه دون فرض اهتمامات معينة عليه أو إهمال جزيئات يتطلع إلى الوقوف علي تفاصيلها ودون خلط الحقائق بغيرها ودون محاولة استمالته إلى موقف معين.
وهذا ما يجب أن نتعرض له خلال الصفحات التالية :
1- تجنب الأمور المثارة
تفشت وشاعت بعض الأخطاء الفنية التي تتعارض مع فنون التحرير الصحفي وبخاصة في الدول الشيوعية وصحف الحكومات في الدول الدكتاتورية التي لا تدين بالولاء للقارئ، ومن ابرز هذه الأخطاء تجنب إذاعة أو نشر خبر من الأخبار التي لها موضع اهتمام القراء، ونجد هذا النوع من الأخطاء قد انتشر بشكل واضح - بل صارخ - في معظم الصحف العربية التي تصدر في بيروت-خاصة خلال أحداث الحرب الأهلية- وإذا طالعنا الصحف التي تصدر عن منظمة معينة أو حزب ما فإننا نجدها قد تجاهلت الكثير من الأخبار الهامة التي ترى أن نشرها قد يؤثر على مصلحة الحزب أو المنظمة التي يتبعها، أو قد يغضب القائمين على تلك المنظمة أو الحزب، وقد يصل هذا التجاهل إلى حد الامتناع عن نشر حادث قتل أو خبر اشتباك مسلح، ويرى البعض أن ذلك يرجع إلى وجود دوافع عديدة مسبقة أو لاحقة تجعل المادة الإخبارية خاضعة للظروف والنظم السياسية ولجمهور القراء ومصالحهم، بل - وبصفة أساسية - لمصلحة الناشر سواء كان فردا أو مؤسسة، مع أن أساتذة الصحافة يقررون أن تجاهل حادث ما وعدم نشره بسبب تعارضه مع سياسة الجريدة وأهدافها إنما هو نوع من تحريف الحقيقة، لأن ذلك يعني أن الجريدة إنما تصدر إرضاءاً لشخص معين أو جهة محددة أو عدد محدود من القراء مما يسقط عن هذه الجريدة صفة الدقة التي بدونها لا تبقي للصحافة عناصرها الرئيسية.
وعدم إشباع جوع القراء إلى الأخبار التي يجب أن يعرفوها يؤدي إلى خروج الصحافة عن ابرز أدوارها.
ومن الأمثلة الأخرى التي توضح تجنب بعض الصحف العربية للأمور المثارة أخبار تعيين شخص ما بدلا من شخص آخر كان يشغل منصبا إداريا أو سياسيا، أو كان يضطلع بمسئولية ما، دون ذكر شئ عن الشخص الذي عزل من منصبه أو أقيل منه ليحل محله المسئول الجديد.
2- تحرير الخبر أو عرضه بصورة تزيد عما يتناسب مع قيمته الصحفية
عندما تفرض الرقابة على الصحف فان الرقيب الذي يكلف بمراقبة الصحيفة - ويتخذ من أحد مكاتبها مقرا له - يتلقى بصفة مستمرة تعليمات من الرقيب العام أو من رئاسته التابع لها سواء أكانت جهة سياسية أم عسكرية، ولا تقتصر هذه التعليمات التي يتلقاها الرقيب على تحديد الأخبار التي يجب منع نشرها فقط - أي تجنب بعض الأمور المثارة - وهو ما سبق الإشارة إليه - و إنما تأتي على قمة التعليمات التي يتلقاها الرقيب ويقوم على تنفيذها - في الجريدة التي يتولى مراقبتها - تعليمات بإبراز خبر معين أو حدث محدد، وقيام الجريدة بهذا الإبراز- سواء تطوعا منها أو خضوعا - يفقدها عنصر الصدق لأن الجريدة الصادقة لا تعتمد على تحرير خبر أو عرضه بصورة تزيد على ما يتناسب مع قيمته الصحفية، ومن الأمثلة التي تتكرر في بعض الصحف غير الملتزمة بأصول التحرير الصحفي نشر أخبار مقابلات عادية في صدر الصفحة الأولى، بل كثيرا ما يصاحب ذلك نشر صورة أيضا للمقابلة دون ذكر شئ عما دار في هذه المقابلة أو حتى عن أهميتها، وإذا كانت هذه الأمثلة تتكرر في الصحف التي تعاني من الرقابة المباشرة أو غير المباشرة، أو الرقابة الذاتية التي هي أقسى أنواع الرقابة وأشدها، فان ذلك يحدث نتيجة ممارسة الضغط على الصحفيين أو إخضاعهم بوسائل الترغيب والترهيب، وهناك بعض الصحف غير الخاضعة لذلك تتعمد تحري الخبر أو عرضه بصورة تزيد على ما يتناسب مع قيمته الصحفية نتيجة التزامها باتجاه معين، وهذا النوع من الالتزام يجعلها تتوسل بكل ما تملك من أسباب للدعوة إلى ما تؤمن به، وتكون اكثر الأسباب أثرا هي بالطبع الأخبار التي تنشرها والتي تلجأ أحيانا إلى التهويل فيها من اجل إثبات صحة ما تراه، ومن الأمثلة التي توضح ذلك قيام إحدى الصحف بحملة صحفية ضد جنون السرعة وأخطاء القيادة بهدف الحد من حوادث الطرق التي تضاعفت خلال السنوات القليلة الماضية وتوفير السلامة لقادة السيارات وركابها، ومن أجل تحقيق هذا الهدف النبيل تلجأ هذه الصحيفة إلى التهويل في كل ما تنشره عن حوادث الطرق والسيارات، والى المبالغة أحيانا في إبراز آثارها، والى تعمدها صياغة هذه الحوادث وعرضها بصورة تزيد على ما يتناسب مع قيمتها الصحفية، ومع كل التقدير لأهداف هذه الجريدة التي قد نراها أهدافا نبيلة إلا أن تعمد ذلك يفقد الصحيفة عنصر الصدق الصحفي.
3- تحرير الخبر أو عرضه بصورة تقل عما يتناسب مع قيمته الصحفية
إذا نظرنا إلى تعمد الصحيفة إبراز خبر ما وتقديمه بصورة تزيد على ما يتناسب وقيمته الصحفية، فإننا نجد أن ذلك يقابله بالضرورة نشر خبر آخر بصورة تقل عما يتناسب مع قيمته الصحفية، لأن الخبر الأول استأثر بما ليس له-من مساحة ومكان مميز ووسائل إبراز-وسلبه من الخبر الثاني.
وكثيرا ما يتم هذا النشر-غير المناسب- بالإضافة إلى عوامل أخري، مثل أن يكون ذلك مصحوبا بحذف أجزاء من الخبر أو إضافة معلومات غير دقيقة إليه أو تعمد إهمال ذكر بعض الحقائق، وبالنسبة إلى تعمد نشر الخبر وعرضه بصورة تقل عما يناسبه فذلك ما يعرف بين الصحفيين بأنه دفن الخبر تحت عنوان صغير أو غير واضح أو غير معبر، أو وضعه في صفحة داخلية في نهاية خبر آخر أو دمجه في خبر آخر اقل أهمية مع إبراز الخبر الآخر واختيار العنوان منه، وتجنب الإشارة إلى أهم جزء في الخبر أو أهمية الشخص الذي يتناوله أو وضع إشارة إلى ذلك في الصفحة الأولى مع افتراض أن القيمة الصحفية للخبر تتطلب ذلك.
وتشير المراجع الصحفية إلى أن تعمد ارتكاب ذلك يعد تحريفا للخبر ويفقد الجريدة حقها في ادعاء الصدق.
4- افتعال الاهتمام
ترى الجمعية الأمريكية لمحرري الصحف أن استقلال الصحافة يعني تحررها من كل التزام ما عدا الأمور الحيوية التي يهتم بها عامة الناس، وان أي اهتمام يتناقض مع اهتمامات الناس لا يتمشى مع أمانة الصحفي، وان الأنباء التي جاءت عن طريق مصادر خاصة يجب ألا تنشر دون ذكر مصادرها أو التأكد من أهميتها أو قيمتها شكلا وموضوعا.
ويعد افتعال الاهتمام بحدث ما و إبرازه والحصول على تفاصيل تافهة حوله و إبرازها من وسائل تحريف الأخبار، ومن أمثلة ذلك اهتمام بعض الصحف غير الملتزمة بأصول التحرير اهتماما مبالغا فيه بتصريحات أو زيارات أحد المسئولين، فنرى الصحيفة وقد أبرزت-باهتمام مفتعل- تصريحات هذا المسئول، وحرصت على اختيار عناوين ضخمة منها، رغم انه لا يتضمن شيئا جديدا أو خبرا لم يسبق نشره.
5- تعمد إهمال بعض الحقائق (أو إهمال بعض عناصر الخبر الرئيسية )
يتأكد تشويه الأخبار وتحريفها- وبالتالي عدم صدقها- من خلال تأكيد نواح معينة من الرواية الإخبارية وتعمد حذف بعض جوانبها مما يؤدي إلى تأويل الخبر بطريقة تخدم اتجاهات محددة أو سياسة معينة، ويتعارض تعمد إهمال بعض جوانب الخبر مع تكامله وبالتالي مع وظيفته الإخبارية، لأن التكامل من العناصر الهامة في الوظيفة الإخبارية، مما يستوجب البحث عن العناصر المكملة للخبر قبل نشره وعدم إهمال أجزاء منه، حيث تلتزم الصحافة بمبدأ التكامل الخبري والعرض الكامل للحقائق سواء بالنسبة للخبر الواحد أو بالنسبة لمجموع ما تقدمه من أخبار وهو ما يسمى بالعملية الإخبارية أو بالدور الإخباري للصحيفة .
وإذا افترضنا أن محررا بجريدة لا تلتزم بمراعاة الأصول الفنية للتحرير الصحفي قد ذهب لتغطية اجتماع برلماني ووقف أحد الأعضاء يطالب بزيادة الاهتمام في الصحف بالمناقشات البرلمانية ويتهمها بإهمال ما يدور أو ما يقال ثم وقف أحد الوزراء ممثلا للحكومة ليرد على هذا العضو ويؤكد عدم التدخل في حرية الصحافة أو محاولة التأثير عليها ويعترض علي ما ساقه العضو من اتهامات، ثم ظهرت الجريدة في اليوم التالي وقد نشرت احتجاج الوزير على كلمات العضو وتأكيده على حرية الصحافة، ولكن دون أن تنشر كلمات النائب نفسه، وقد حدث هذا بالفعل لجريدتين يوميتين تصدران في القاهرة، وكان من قبيل الصدفة أن الحديث يتناول حرية الصحافة،
وكشف البحث الذي اجري حول هذه الواقعة أن أحدا لم يطلب من الجريدتين عدم نشر ما قاله النائب و الاكتفاء بكلمات الوزير لأن ذلك كان يتطلب حذف رد الوزير على الأجزاء التي لم تنشر من كلمات النائب لإخفاء آثار الحذف، وكشف البحث أيضا أن المحرر المسئول- وهو نائب رئيس التحرير ومعه قسم المراجعة أبو أن يتضمن الخبر كلمات قد تمس الحكومة حتى ولو ردت عليها، وتم حذف ما حذف خضوعا للرقابة الذاتية دون العناية بحذف ما سيكشف هذا الحذف ويفضح أمره .
وكما يوضح هذا المثال الواقعي خطورة سيطرة الرقابة الذاتية على الصحيفتين باعتبارهما أسوأ من الرقابة الحكومية، فانه يكشف عن الدور الذي يمكن أن يقوم به الصحفي أو المراجع أو سكرتير التحرير أو رئيس التحرير أو أي شخص آخر يقوم بتقييم الخبر وهو الذي يطلق عليه علماء الاتصال اسم حارس البوابة، ويقصد بحارس البوابة كل من يمنع أو يسمح بالنشر ويساهم في إبراز أو عدم إبراز الخبر أو جزء منه.
وقد وضح هذه النظرية لأول مرة عالم الاتصال الأمريكي كيرت لوين الذي أكد أن الخبر يمر ببوابات ويتعرض بالتالي للتعديل أو التغيير أو الحذف أو الإضافة إلى أن يظهر للقارئ.
وما يهمنا بالنسبة لأسلوب التحرير الصحفي هو أن نوضح من المثال السابق أن الجريدة التي لم تنشر كلمات النائب ونشرت رد الوزير لا يمكن أن توصف بالصدق الصحفي رغم أن كل ما نشرته كان صحيحا وقد قيل بالفعل في جلسة البرلمان، غير أن تعمد إهمال بعض الحقائق أو حذف بعض الكلمات التي قيلت اسقط عن الجريدة صفة الصدق .
6- إضافة معلومات غير صحيحة
لا شك أن ابشع ما تقدم عليه الصحف هو خلط الحقائق بغيرها وهو ما وصفته الجمعية الأمريكية لمحرري الصحف بأنه أمر مدمر للقيم الأساسية لمهنة الصحافة.
وإذا كان من غير المقبول أن تقع الصحيفة ضحية معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة، فان الأمر يصبح في حالة تعمده جريمة لا تغتفر ولا يمكن التكفير عنها، إن القارئ قد يقبل خبرا ناقصا، ولكنه لا يقبل أبدا من جريدته خبرا لم يلتزم بكل جوانب الدقة، وهذا يعني ببساطة حتمية أن تكون جميع المعلومات التي يتضمنها الخبر بالغة الإتقان والدقة وأنها نالت كل ما هي جديرة به من التحري والبحث.
وقد يبدو للبعض- نتيجة بشاعة هذا الجرم الذي تدينه كل القيم - أنه نادر الحدوث، ولكن للأسف هناك عشرات الأمثلة التي تكشف عن تعمد بعض الصحف العربية خلط الحقائق بغيرها وإضافة معلومات غير صحيحة إلى خبر صحيح لتحقيق مصلحة ما أو مسايرة سياسة الصحيفة أو صاحبها أو الدولة التي تصدر منها، وقد لجأت بعض الصحف التي تصدر في بيروت إلى هذه الأساليب لتحقيق مثل هذه الأهداف خاصة خلال الفترة التي زادت فيها الخلافات بين الدول العربية، ومن أمثلة ذلك ما نجده في صحيفة بيروتية نشرت خبرا عن اجتماع عقد في القاهرة في يوم محدد بين كبار المسئولين في كل من السودان ومصر، ويكون هذا الاجتماع حقيقة أجمعت عليها كل المصادر وصدر بيان رسمي من الدولتين غير أن الصحيفة البيروتية أضافت إلى الخبر ما ترى انه قد بحث في هذا الاجتماع ( دون أن تشير إلى ذلك أو تنشر أن ما ذكرته عن موضوع الاجتماع إنما هو تصورها هي أو افتراض تفترضه)، وقد يحدث أن تترك الصحيفة أسم مصدر الخبر الصحيح وتضيف الإضافات غير الصحيحة ليتوهم القارئ -سواء قصدت أم لم تقصد- أن كل المعلومات التي يتضمنها الخبر قد نقلها هذا المصدر- الذي كثيرا ما يكون وكالة أنباء عالمية ذات سمعة عريقة-.
وفي هذا المثال نرى أن الصحيفة اللبنانية تقول إن المسئولين في مصر والسودان بحثوا وسائل فرض الاستسلام على البلاد العربية واتخاذ إجراءات مشتركة لضرب الحركة الوطنية في كل من مصر والسودان ومواجهة النشاط الثوري المتزايد في البلدين الذي يستهدف مقاومة الاستعمار والإمبريالية والصهيونية العالمية وعملائها، وقد تدافع هذه الصحيفة عن جريمتها مؤكدة أن الخبر صحيح وان الاجتماع قد عقد بالفعل في مدينة القاهرة في اليوم المذكور والساعة المحددة والمكان المعين وان جميع وكالات الأنباء نقلت ذلك، وهذا كله صحيح غير أن صحته تزيد من بشاعة الجريمة التي أقدمت عليها الجريدة عندما أضافت إلى الحقائق معلومات غير صحيحة فدمغت نفسها بوصمة لا تستحق أن توصف بعدها بالصدق.
7- التطوع بتبرير قرار أو إبراز إيجابيات أو سلبيات
وهذا ما تقدم عليه الصحف كثيرا طالما أنها ملتزمة بالولاء لشخص أو جهة غير قارئها لأن التزام الصحيفة بالولاء للقارئ وحده يتيح لها القدرة على تفسير الأخبار والتعليق عليها دون التورط في تبرير القرارات أو إبراز بعض السلبيات أو الإيجابيات دون غيرها .
ومن هنا يجب أن نفرق بين إبداء رأى الجريدة ورأي كتابها في أمر من الأمور أو التعليق على خبر من الأخبار أو تفسير هذا الخبر، وبين تضمين الخبر تبريرات أو إبراز اتجاه ما وتحبيذه أو إدانة قرار آخر وشجبه.
والفرق بين كلا من الأمرين كبير جدا وقد ورد ذلك بوضوح في التحديد الذي ذكرته جمعية محرري الصحف الأمريكية التي قالت إن الممارسة الصحفية السليمة تجعل التمييز واضحا بين التقارير الإخبارية والتعبير عن الرأي، ويجب أن تتحرر التقارير الإخبارية من الرأي أو من أي نوع من الانحياز.
وبالنسبة لتفسير الأخبار نجد أن الحاجة إلى التفسير قد ظهرت منذ سنوات طويلة ورأي بعض من كتبوا في ذلك أن مهمة تفسير الأخبار لا تقل أهمية عن نشر الأخبار نفسها، و أن التفسير يجب أن يكون مطابق للواقع دون أن يخلط المحرر رأيه الشخصي بالتفسير الإخباري لأن ذلك يؤدي إلى تحريف الخبر، كما ترجع أهمية التفسير إلى أن قراء الصحف الذين يبحثون عن إجابات للأسئلة الخمسة في الخبر الصحفي-أين، متى، ماذا، من، لماذا- اصبحوا الآن يهتمون بالشقيقة الكبرى (لماذا) اكثر من اهتمامهم بالشقيقات الأخريات، ويعد الاهتمام المتزايد بالشقيقة(لماذا) كفيلا بانتشال الصحف من التردي في الأساليب الرخيصة من التحرير السهل البسيط أو ما يسمى تحرير المادة الخفيفة السطحية.
ولا شك أن تفسير الخبر ضروري لتحقيق الفهم والإدراك باعتبار أن الحياة تزداد تعقيدا ومن غير الممكن أن يصل القارئ إلى الحقائق من خلال نفسها و إنما من خلال عملية التفسير التي تضع الحقائق في قالب له معنى وتقربها إلى الأذهان، وقد وجهت انتقادات لفلسفة نشر الخبر المجردة و فصل الرأي عنه باعتبار أن ذلك لن يحقق الموضوعية، بل على العكس من ذلك قد يؤدي إلى تقديم الأخبار المجردة -على أساس من التمسك بالموضوعية- إلى تشويه تلك الأخبار وتقديمها ناقصة وغير مفهومة، كما أن هذه النظرية تـنتقد الاكتفاء بتقديم وجهتي نظر بالنسبة لموقف جدلي، لأن ذلك سيوفر فرصا متكافئة لكل من الكاذب والصادق على حد سواء مما يعد في حد ذاته تحريفا للحقيقة.
ويرى أصحاب تلك النظرية أن الصدق يفرض على الصحفي الذي يفسر الأخبار أن يسير في طريق ضيق بين الحقيقة والرأي ولكنه يجب أن يسير في هذا الطريق إذا أراد أن يضع الحقائق في السياق الذي يعطيها المعنى.
وما من شك في أن تفسير الخبر هو بالفعل عمل صعب يتطلب تحليل الدوافع التي تختفي وراء الخبر والنتائج التي قد تترتب عليه، دون خلط ذلك برأي لا يشار إلى صاحبه بوضوح وصراحة، و هذا هو الذي يحقق الفصل بين التفسير والتعليق، لأن التفسير يهدف إلى توضيح الأخبار في حين أن التعليق ينحصر في إبداء الرأي في هذا الخبر.
والتفسير ضروري لتطور الرأي العام الذي تتكون غالبيته من رأي عام منقاد تنقصه الثقافة في الدول المتقدمة والتعليم في الدول النامية وتحتم عدم كفاية رؤية الحدث أو فهمه أو قراءته، ضرورة وجود تفسير لهذا الحدث.
وإذا أردنا أن نسوق مثالا يوضح خطورة التطوع بتبرير قرار ما أو إبراز إيجابياته أو سلبياته باعتبار أن ذلك يتعارض مع الصدق الصحفي فلا بد لهذا المثال أن يوضح أيضا الفرق بين التفسير من وجهة وبين التبرير من جهة أخرى وبين إبداء الرأي من جهة ثالثة.
سنفترض مثلا أن الحكومة قررت فرض ضريبة جديدة على السجائر بنسبة 20% وان ذلك سيرفع سعر العلبة التي كانت تباع بمبلغ خمسة ريالات ليصبح السعر الجديد ستة ريالات، فإذا نشرت الصحيفة ذلك فقط فان ذلك يعني أنها نشرت الخبر مجردا، أما إذا أضافت إليه إحصاءات لقيمة الاستهلاك السنوي ومجموع المبالغ التي سيتم تحصيلها من هذه الضريبة واوجه إنفاقها مع مقارنة بين أسعار السجائر في الدول المختلفة، فان ذلك كله سيظل داخل دائرة التفسير المقبول بل يعد أيضا استكمالا ضروريا، أما إذا ضمنت الصحيفة صلب خبرها وصفا للضريبة بأنها مرتفعة أو كبيرة أو أنها ضريبة بسيطة أو ضئيلة فهذا هو إقحام الرأي في صلب الخبر وهو غير جائز، أما النقيصة التي تسقط عن الصحيفة صفة الصدق فهي قيامها بتبرير فرض الضريبة و إبراز أهميتها دون عرض وجهة نظر عوائل المدخنين الذين لا بد أن بعضهم سيتضرر أو يتألم من تلك الضريبة الجديدة لان الزيادة الجديدة ستقتطع من ميزانية العائلة، وقد نرى الصحيفة وقد تمادت في ذلك فهللت للضريبة الجديدة في صلب خبرها وذكرت مساوئ التدخين وانخفاض أسعار السجائر و أشادت بالموقف الإنساني للحكومة التي رفعت سعر السجائر رحمة بالمدخنين، وبالشعب الذي رحب بالقرار وما سينعكس عليه من حصيلة هذه الضريبة في صورة مشروعات وخدمات.
وهناك عدة أمثلة واقعية على ذلك، من بينها قيام جريدة المقطم المصرية بنشر أخبار فرض الضريبة الجديدة على الأطيان الزراعية وقد قرنتها بحملة صحفية لتبرير القرار وانتقاد كل من يعترض على فرض هذه الضريبة، مما يدخل في إطار تبرير القرارات بصورة تتعارض مع عناصر الصدق الصحفي.
وإذا أرادت الصحيفة أن تتمتع بصدق إخبارها فان عليها أن تعرض كل ما يريد أن يعرفه القارئ دون تجنب أمر من الأمور المثارة، مع عرض التفاصيل التي يريد القارئ أن يقف عليها بالقدر الذي يتوقعه القارئ دون فرض اهتمامات معينة عليه أو إهمال نقاط يتطلع إلى الوقوف على تفاصيلها ودون خلط الحقائق بغيرها أو محاولة استمالة القارئ إلى موقف معين بتعمد تبرير القرارات أو إبرازها.
وقد يتطلب كفاءة صحفية عالية وعددا من الصحفيين المؤهلين تأهيلا جيدا والمسلحين بالقيم الخلقية.
أجزاء الخبر
(1) العنوان
و وظائفه هي:
جذب انتباه القارئ.
إعلام القارئ.
تصوير وتحديد طبيعة الخبر أو الموضوع .
مساعدة القارئ على تصنيف محتويات الصحيفة .
تلخيص أو تحليل الموضوع .
العمل على استقرار طابع الصحيفة وشخصيتها .
توفير المقومات الأساسية للصفحات بما فيه الشكل وعناصر الجمال.
ويشكل العنوان أحد الجوانب الهامة المعرضة للنقد في الصحيفة وقد يستاء القارئ من خبر معين أو من طريقة تغطية حدث من الأحداث، ولكن شكواه دائما تنحصر في النهاية في رفض الطريقة التي كتب بها العنوان، وربما تهتز شعبية الصحيفة نتيجة سوء عناوينها، وقد يغفر القارئ للمحرر أحيانا بعض التلاعب بالألفاظ أو التوجيه في الأخبار أو المقالات الافتتاحية، ولكن من الخطورة البالغة في إتباع ذلك مع المانشيتات .
ومهما كان الكاب ماهرا وذا نية حسنة فان عليه أن يجاهد في حدود المساحة والكلمات المقتضبة التي تعطي الانطباع الدقيق المحايد للعناوين السليمة.
ويشكل تبسيط العنوان -اكثر من اللازم- تهديدا كبيرا له، فكلما كانت الأخبار معقدة لجأ المحرر إلى تبسيطها وكتابة مانشيت محددة مختصر، ووظيفة المحرر هنا هي أن يوضح ويفسر ويجلو الغموض ويختصر في نفس الوقت كلما أمكنه ذلك، ثم عليه أن يوجز العنوان في اقل من ست كلمات وأقل من ذلك بالنسبة للمانشيت.
والخطر الثاني هو التركيز على وجهة نظر ثانوية في الرواية، فالشكوى العامة تأتي من أن المحرر يأخذ نقطة ثانوية يبني عليها قصة كبيرة .
وهناك خطر آخر وهو المبالغة في تأكيد العنوان فالإسهاب في الشرح المطول للعمل الصحفي ينتج عنه عادة ما ينتج عن الاختيار السيئ ولكن كلمات العنوان الحية قد تؤدي أيضا لأي مبالغة دراماتيكية.
(2) مقدمات الخبر
يمكن أن نلخص اشهر أنواع المقدمات المستخدمة في الأخبار إلي سبعة أنواع هي:
1.المقدمة المتفجرة وهي المقدمة الساخنة المثيرة .
2.المقدمة الاقتباسية .
3.مقدمة الحوار .
4.المقدمة الوصفية .
5.مقدمة التباين .
6.المقدمة التساؤلية .
7.المقدمة التقريرية الموضوعية .
وتشكل المقدمة مع العنوان ابرز ما يلفت النظر ويجذب الانتباه، وهو بالتالي ما يقود القارئ المتصفح إلى قراءة التفاصيل بكل دقتها، غير أن هناك ما يكمل دور العنوان والمقدمة في هذا المجال وهو:
3-الصورة الصحفية
والتي تعد أحيانا وسيلة تعبير مستقلة تحوي مضمونا مختلفا قد يكمل مضمون الخبر والتحقيق الصحفي أو قد يعبر عن مضمون مستقل في حد ذاته، وقد اصبح تحرير الصورة و إخراجها فنا مميزا من فنون الصحافة الحديثة.
وقد شهد عام 1930 ظهور الصورة الصحفية التي تنافست عليها الصحف والمجلات، و أدى ذلك إلى تطوير الصورة بسرعة، وظلت الصحف تحت ضغوط التنافس على الصورة الصحفية منذ ذلك الحين، وقد ظهرت بعض المجلات المصورة مثل مجلة( لوك) التي ولدت نتيجة للصورة الصحفية واصبح هناك ثورة مستمرة في الصورة الصحفية .
وكانت أول صورة تنشرها الصحف العربية هي صورة (فرديناند ديليسبس) التي نشرتها صحيفة الأهرام القاهرية والتي كانت تضم مهندس مشروع قناة السويس وابنته.
وتؤدي الصورة الصحفية عادة مهمتها على احسن وجه إذا ما قام باختيارها وتحريرها محرر متخصص في أقسام الأخبار وكانت الطريقة القديمة هي أن يحدد رئيس القسم الصور ويختارها، ونتيجة التركيز على الصورة الجيدة ظهر نظام تعيين شخص متخصص (محرر الصور) الذي يجب أن يكون له رأي في كيفية استخدام الصورة، والغرض الرئيسي من تعيين محرر الصور هو إيجاد شخص مهمته التفكير في الصور وله سلطة الحصول على احسن ما يمكن من الصور للجريدة .
وتأتي أفكار الصور عادة من المصورين، ولكن ربما تكون هناك بعض الاقتراحات من الأقسام الصحفية، ومعظم صور المجتمع تؤخذ من أستوديو الصحيفة، أما المحررون الرياضيون فيطلبون من رئيس التصوير الصور التي يحتاجونها في هذه الصفحة وهو الذي يقوم باختيارهم لهم . وإذا احتاج محرر المجتمع إلى صور في موضوعه فانه عادة يتصل برئيس التصوير الذي يوفد معه مصورا .
ومن الوجهة الفنية الجمالية فان الشرط الأول للصورة الصحفية الجيدة هو أن تكون ذات محور محدد، والمحرر عليه أن يزيل التفاصيل الغريبة أو الداخلية حتى يمكن لعين الناظر أن تتجه مباشرة إلى النقطة الأساسية في الصورة، وإذا لم يفعل المصور ذلك فيجب أن يفعله المخرج الصحفي أو محرر الصورة، فوجهة النظر المحددة تساعد الناظر على فهم مغزى الصورة، والصورة الروتينية هي صورة مرفوضة وعلى المصور أن يبتكر زاوية جديدة لصورته حتى لو اضطر إلى تسلق سلم مثلا أو الصعود إلى مبنى عال حتى يتمكن من التقاط صورة من زاوية مختلفة وقد تعبر عن وجهة نظر جديدة أو على الأقل غير تقليدية .
وكقاعدة عامة فان الصور بدون الناس هي صور ميتة، وطبيعي أن هناك بعض الأشخاص الذين لا يملكون الوجه الإنساني المعبر ولكن حتى هؤلاء لديهم شئ يصلح للتصوير، ويبدأ المصور دائما بالناس، ويحاول أن يجسدهم خلال لحظة محددة وهم يصنعون الأخبار من خلال ما يبدو انه حدث طبيعي، ويتعلم محرر الصور كيف يقدم الصور كما يتعلم محرر الأخبار كيف يحكم على الموضوعات وذلك عن طريق الخبرة وملاحظة كيف يعمل المحررون الآخرون .
وبصفة عامة فان معظم الصور الصحفية تعكس واحدة من اثنتين: الأخبار أو الملامح، وبما أن الصحف تستخدم خليطا من الموضوعات الصحفية والمواد التي تكشف عن الملامح فهي عادة تريد كلا من النوعين من الصور، ويكون الاختيار سهلا عندما تصور الصورة حدثا إخباريا كبيرا وقد تكون الصعوبة الوحيدة هي اختيار أي من اللقطات العديدة التي تساعد على إبراز العمل جيدا، وبالإضافة إلى حجم الحدث فان العوامل الأخرى في الحكم تأتي في المرتبة التالية في اختيار الصور .
وبالإضافة إلى الصور الإخبارية غير العادية التي يمكنها أن تقف وحدها -عند الضرورة- بسبب مغزاها، فان كثيرا من الصور يمكن استخدامها كخلفية للموضوع الصحفي - ومكملة له -أو ببساطة كنوع من الإيضاح، فهي توضح الأخبار أو تجعلها اكثر تشويقا، وتكمل دور العنوان والمقدمة.
وهناك الصور التسجيلية التي لا تقل أهمية عن الصور الإخبارية، ومن بينها الصور ذات التأثير البسيط ولكنها جزء من سجلات تاريخية مثل اجتماع زعماء الدول، وصور إصدار وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات وغير ذلك .
ويختار محرر الصور هذه الصور الإخبارية لأنها مثل الأخبار تساهم في تجسيد الخبر الجديد، والرجل الذي عليه اختيار الصور يقع تحت نفس الضغوط التي يقع تحتها حارس البوابة الذي يختار الأخبار ويقدمها، وعملية الاختيار هذه تضع في الاعتبار كل ما يشوق القارئ ويساعد على تسويق الجريدة، وما يتناسب تقاليد الصحيفة التي تتفاعل مع الأحداث وتحقق التأثير، أما الصور التي تجسد الملامح فهي شيء مختلف، فمن ناحية القيمة بالنسبة للأخبار الجادة لا تخصص للصور مساحات ذات قيمة، أما في الموضوعات الإنسانية فالأمر يختلف لأن الصور تقوم بدورها في إمداد القارئ بما يريده-أي إرضاء القارئ-.
ومع ازدياد أهمية الصورة الصحفية ظهر نظام تخصيص صفحة كاملة للصور في الصحف اليومية، وتوفر الصفحة المصورة الفرصة لنشر الصور الممتازة التي لا يمكن وضعها في الصفحات الأخرى، ويمكن في صفحة الصور نشر ثمان أو عشر صور بأحجام مختلفة وحول موضوعات متباينة .
ويعلق (فينست جونز) نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير التنفيذي لمجموعة صحف (جانت) وهو يعتبر رائدا في استخدام هذا النوع من المساحات قائلا: إن هذه الصفحة المتنوعة أو النصف صفحة تحتاج إلى التخطيط حتى تكون مؤثرة و إن تكتل الصورة ربما يجعل القارئ يتوقف لحظة ولكن هل يجعله منجذبا ؟ ويعلق (جونز) قائلا إن الصحف قد اعتادت أن تبدأ كل موضوعاتها الكبيرة في الصفحة الأولى إلى أن اكتشفت أن الصفحات الداخلية غير مقروءة، واستخدام احسن الصور كلها في صفحة واحدة هو تكرار لهذا الخطأ، وعادة ما تكون الصور مؤثرة اكثر إذا كانت نابعة ومكملة للأخبار التي تتعلق بها، ويقترح (جونز) أن يشكل الصفحة المصورة بصور ترتبط ببعضها البعض بموضوع واحد شأنها شأن سلسلة القصة المصورة وفي هذه الحالة تصبح الصفحة المصورة حقيقة غير مصطنعة .
ومصادر الصور الصحفية عديدة من أهمها الوكالات : وتحصل الصحف عادة على اكثر صورها من مراكز خدمات التصوير ووكالات الأنباء والوكالات المصورة .
المصادر المحلية : وإذا كان استخدام صور الوكالات يوفر الكثير بالنسبة للصحيفة وهو ارخص من استخدامها مصورا خاصا بها، إلا أن الوكالات لا تكفي لتغطية الأحداث المحلية.
ويتم الحصول على الكثير من الصور المحلية من مصادر الأخبار نفسها كالعائلات والقراء الذين يعطون صورهم للإعلان عن مناسباتهم. وتلعب العلاقات العامة دورا كبيرا في إمداد الصحف بالصور، كما تعد مكتبة الصور في الصحيفة والأرشيف من أهم مصادر الصورة الصحفية.
وأهم مراحل تحرير الصورة هو كتابة سطور التعليق الذي ينشر تحت الصورة، ويجب على المحرر أن يفحص الصورة بدقة حتى يتبين ما يحتاج القارئ إلى شرحه بالكلمات، وهذه السطور المختصرة مثلها مثل المانشيتات يجب أن تكتب في صيغة المضارع وتحتوي على (من) و(أين) وربما أيضا(متى)، ويهتم كثير من الكتاب بكلمة (ماذا) ولكن إذا كانت الصورة جيدة فان الفعل البسيط يكفي، واهم ما هناك هو الاختصار في الكلمات لأن جملة( يرى في الصورة) أو (الصورة توضح) تعد من الإطناب غير المستحب الذي يجب تجنبه عند كتابه كلمات الصورة، كما يقول المحررون الخبراء أن من السذاجة أن تكتب للقارئ تحت صورة الشجرة لتقول له (هذه شجرة).
ومن الخطأ كذلك أن تكرر ما ورد في العناوين وفي المقدمة لتصفه مرة أخرى تحت الصور، ويمكن ذلك بعدة طرق قد يكون أولها وابسطها تغير كلمات التعليق على الصورة، وهناك طريقة أخرى يمكن إتباعها في حالة ما إذا كان العنوان يتضمن ما توضحه الصورة وهى وضع الصورة تحت العنوان وحذف كلمات التعليق على الصورة لتأتي بدون تعليق مع الاكتفاء بالعنوان الذي يظهر تحت الصورة ليقوم بالدور المزدوج.
كما أن إخراج الصورة يساعد على استيعاب القارئ لما تشمله من أفكار أو أبعاد إخبارية، خاصة عند وضعها وسط التحقيق الصحفي أو على رأس الحديث أو بين فقراته بما يخدم المضمون .
ومن القواعد العامة التي ينصح بها المخرجون الصحفيون عدم وضع الصورة على خط طي الصفحة -أي في نصفها تماما- لأن ذلك يؤدي إلى ضياع بعض ملامحها الهامة أو تشويه بعض ما تتضمنه من تفاصيل .
ويمكن استخدام الرسوم التوضيحية كبديل للصور الفوتوغرافية وقد شاع استخدام هذه الأنواع من الرسوم في بعض الصحف السياسية، إلا أن تلك الرسوم التي تأتي عادة مصاحبة لبعض التحقيقات أو الأحاديث الصحفية تختلف تماما عن الرسم الكاريكاتوري الساخر(الكارتون) الذي يأتي منفصلا بحد ذاته ليعبر وحده عن فكرة نقدية ساخرة، وقد يؤدي بذلك دور المقال أو اكثر، لأنه في الواقع اصبح الآن أقوى وأبسط وسيلة تعبير صحفية، ويصل إلى جميع القراء على اختلاف مستوياتهم الثقافية والفكرية، ويكون موضوع إعجابهم مهما تباينت اتجاهاتهم السياسية، و الكاريكاتور بذلك يقترب من المقال، ويخضع لكثير من القواعد التي تحكم أفكار المقال الصحفي وفلسفته إلى حد أننا يمكننا أن نعتبره مقالا مرئيا نستطيع بواسطته أن نوصل الفكرة للقارئ وان ننظم أيضا حملات صحفية ناجحة، ولذلك فانه يشترط دائما أن يكون رسام الكاريكاتور على دراية واسعة بكل الاتجاهات السياسية التي قد يتعرض لها وان يتصف بالصراحة والشجاعة لأنه لا يستطيع أن يستخدم عبارات دبلوماسية أو تركيبات مغلقة مثل كاتب المقال الذي يلف ويدور حول فكرة جريئة يتردد في عرضها، ورسام الكاريكاتور الذي لا يتحلى بالصراحة والشجاعة سيكون دائما غامضا وغير مفهوم، وبالتالي سيفشل في تحقيق هدفه، وتأتى كلمات التعليق على الكاريكاتور لتكمل الفكرة التي يعبر عنها الرسام بريشته، وقد تكون كلمات التعليق على الكاريكاتور في شكل عنوان فقط أو فقرة شرط أو على شكل حوار أو تصريح ينطق به أحد أشخاص الكاريكاتور، وكلما قلت كلمات التعليق على الكاريكاتور كلما كان انجح واكثر تأثيرا إلى حد أن الرسم المعبر بدون تعليق هو افضل من ذلك الرسم الذي يحتاج إلى كلمات كثيرة تشرحه، ففي حالة نجاح الرسام في توصيل الفكرة بريشته فقط إلى القارئ يكون قد أدى دوره الأساسي لأن الكاريكاتور تعبير بالرسم وليس بالكلمات .
وهناك قاعدة يتبعها رؤساء التحرير للحكم على مدى نجاح الكاريكاتور من حيث كونه تعبيرا بالرسم- دون الكلام - وهذه الطريقة تتلخص في إخفاء الرسم كله وقراءة التعليق فقط فإذا كانت الكلمات تعطي الفكرة وتوصل المضمون إلى القارئ كان معنى ذلك أنها فكرة تعبر عنها الكلمات المكتوبة وليس خطوط الرسام، وهي بذلك تكون مقالا قصيرا وليس رسما كاريكاتوريا، أما إذا عجزت الكلمات عن توصيل الفكرة بدون الرسم فان ذلك يعني بالطبع أن رسام الكاريكاتور قد عبر عن فكرته بريشته وليس بالألفاظ، وهذا هو ما يميز الصورة الكاريكاتورية عن سائر فنون التحرير الصحفي .
[